مد البدل
تعريفه وحكمه وأنواعه ومراتبه
تعريف مدِّ البدل:
هو: حرف مدٍّ تقدم عليه همز في كلمة وليس بعد حرف المدِّ همز أو سكون. وسمي بدلاً لأن حرف المدِّ فيه مبدل عن الهمز غالباً. إذ أن الأصل في كل بدل هو اجتماع همزتين في كلمة واحدة؛ الأولى متحركة، والثانية ساكنة فتبدل الثانية الساكنة حرف مدِّ من جنس حركة الهمزة الأولى تخفيفاً نحو ﴿ ءَادَم ﴾، ﴿ إِيمَاناً ﴾، ﴿ وَأُوذُوا ﴾. وما شابهها.
حكم مدِّه:
حكم مدِّ البدل أنه جائز لجميع القراء، وسبب ذلك: لجواز قصره وتوسطه وطوله، فالقصر لجميع القراء من طريق الشاطبية والطيبة ما عدا ورشاً فله ثلاثة أوجه في البدل القصر والتوسط والطول.
ومدُّ البدل يتعلق بعلم الصرف من حيث فلسفته وتركيبه، فهو عبارة عن همزتين: الأولى متحركة، والثانية ساكنة كما في(ءَاْ)، (أُوْ)، (إِيْ)، فالعرب لا تجمع في كلامها بين همزتين الأولى متحركة والثانية ساكنة، فلا تقول (أَأْ)، ولا تقول (إِأْ)، ولا تقول (أُأْ)، إنما يبدلون الهمزة الثانية حرف مدِّ من جنس حركة الهمزة الأولى، فإذا كانت الأولى مفتوحة أبدلوها ألفاً مدِّية ساكنة (ءَا)، وإذا كانت مضمومة أبدلوها واواً مدِّية ساكنة فيكون اللفظ (أُو)، وإذا كانت مكسورة أبدلوها ياءً مدِّية فيكون اللفظ (إِي) فيمدُّ حرف المدِّ حركتين لجميع القراء ما عدا ورشاً من طريق الأزرق فله تثليث البدل.
أنواعه:
الأول: إذا كان الهمز محققاً - أي الهمزة ثابتة - كما في ﴿ ءَامنُوا ﴾، ﴿ نَأَى ﴾، ﴿ دَعَائِي ﴾، ﴿ المستهزئين ﴾، ﴿ أُوتُوا ﴾، ﴿ رؤوف ﴾، ﴿ متكئون ﴾، ﴿ لإِيلافِ ﴾، ﴿ يَؤُوساً ﴾.
الثاني: أو مغيراً بالتسهيل كما في ﴿ ءَامنتم ﴾ في (الأعراف 123)، و(طه 71)، (الشعراء 49) [1]، ﴿ ءَالهتنا ﴾ في (الزخرف 58) [2]، ﴿ جاءَ ءَالَ ﴾ في (الحجر 61)، و(القمر 41) [3].
الثالث: أو مغيراً بالبدل كما في ﴿ هَؤلاءِ ءَالهة ﴾ في (الأنبياء 99)، و﴿ مِنَ السَّمَاءِ ءَاية ﴾ في (الشعراء 4) [4].
الرابع: أو مغيراً بالنقل كما في ﴿ الآخرة ﴾، ﴿ الإيمان ﴾، ﴿ الآن ﴾، ﴿ مَنْ ءَامن ﴾، ﴿ ءَادم ﴾، ﴿ إنْ ءَاباءهم ﴾، ﴿ أُوتيت ﴾.
مراتب القرَّاء في مقدار مدِّه:
أجمعَ القرَّاء على قصر البدل بمقدار حركتين، إلاَّ ورشاً فله من طريق الأزرق ثلاثة أوجه [5]:
1- القصر حركتان [6]، وهو الأولى وينبغي تقديمه [7].
2- التوسط أربع حركات [8].
3- الطول ست حركات [9].
لماذا يمدُّ البدل حركتين عند جميع القرَّاء ما عدا الأزرق عن ورش؟
لأن حرف المدِّ موجود من الأساس ولو أسقطناه لسقط حرف من التلاوة وهذا لا يصح بأي شكل من الأشكال، لذا يوجد بعض أنواع البدل ملحقة بالمدِّ الطبيعي، ولكن لا ينبغي أن نلحق جميع البدل بالمدِّ الطبيعي، لأن المدَّ الطبيعي يمدُّ حركتين بينما البدل عند الأزرق عن ورش يمدُّه حركتين أو أربعاً أو ستاً.
مذهب بعض القرَّاء في قراءة بعض الكلمات بالبدل:
في القرآن الكريم موضعان تتألف الكلمة الثانية من همزتين الأولى وصل والثانية قطع قبل الأولى حرف مدٍّ، فهنا يجب إسقاط همزة الوصل وتحقيق همزة القطع وصلاً فيصبح بدلاً والموضعان هما:
1- ﴿ الَّذِي اؤْتُمِنَ ﴾ في (البقرة 283) قرأها ورش عن نافع، والسوسي عن أبي عمرو، وأبو جعفر وصلاً بإبدال همزة القطع ياء خالصة، لأن همزة الوصل تسقط عند الوصل فيصير قبل الهمزة كسرة، والكسرة لا يجانسها إلاَّ الياء، (الَّذِيتُمِنَ). وكذلك قرأها حمزة عند الوقف على (اؤتمن).
وتقرأ عند الابتداء بها لجميع القرَّاء بهمزة مضمومة وإبدال همزة القطع واواً مدِّية من جنس حركة الضم التي قبلها (أُوتُمِنَ). فورش من طريق الأزرق على أصله في البدل.
2- ﴿ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا ﴾ في (الأنعام 71): أبدل ورش عن نافع، والسوسي عن أبي عمرو، وأبو جعفر همزة (ائتنا) ألفاً عند وصل (الهدى) ب (ائتنا) سواء وقف على (ائتنا) أو وصلها بما بعدها (الهداتِنا)، وكذلك قرأها حمزة عند الوقف على (ائتنا).
وعند الابتداء ب (ائْتِنَا) يقرأها الجميع بهمزة مكسورة مع إبدال همزة (ائتنا) حرف مدٍّ ياء ساكنة من جنس حركة الهمزة الأولى. فورش من طريق الأزرق على أصله في البدل.
التسوية والتفرقة بين مدِّ البدل والمدِّين المتصل والمنفصل عند ورش من طريق الأزرق:
يسوّي ورش من طريق الأزرق بين البدل والمدِّين المتصل والمنفصل في مقدار المدِّ نظراً إلى الأصل وهو وجود حرف مدٍّ مجاور للهمز بغض النظر هل أن هذا الهمز متقدم أم متأخر، ويفرق بينهما إذا كان يقرأ بقصر البدل فإنه لم يعتد بالأصل وهو وجود الهمز.
[1] هذه الكلمة تتكون من ثلاث همزات الأولى والثانية مفتوحتان والثالثة ساكنة (أَأَأْمنتم): فللقراء مذاهبهم فيها وكما يأتي: قرأها حفص، ورويس بإسقاط الأولى وتحقيق الثانية (ءَامنتم) فلهما فيها قصر البدل. وقرأها نافع، وأبو جعفر، والبزي، وأبو عمرو، وابن عامر بتحقيق الهمزة الأولى وتسهيل الثانية. وقرأ قنبل حال وصل (ءَامنتم) بفرعون قبلها بإبدال الأولى واواً خالصة وتسهيل الثانية (فرعون وآمنتم)، وفي حال البدأ ب (ءَامنتم) يقرأها كالبزي. وقرأ شعبة، وحمزة، والكسائي، وخلف العاشر، وروح بتحقيق الأولى والثانية معاً. وقرأها حمزة وقفاً بتحقيق الثانية وتسهيلها لتوسطها بزائد وهو همزة الإستفهام. وأن كل من يسهل الثانية فيها لا يدخل ألفاً بينها وبين الأولى وإن كان مذهبه الإدخال لقول الشاطبي في البيت رقم (194) (ولا مدٌّ بين الهمزتين هنا ولا بحيث ثلاث يتفقن تنزلا)، وعلل ذلك ابن الجزري بقوله (لئلا يصير اللفظ في تقرير أربع ألفات: الأولى همزة استفهام، والثانية الألف الفاصلة، والثالثة همزة قطع، والرابعة المبدلة من الهمزة الساكنة، وذلك إفراط في التطويل وخروج عن كلام العرب). وليس لورش هنا إلاَّ التسهيل فليس له الإبدال، وعللوا ذلك بما يترتب على إبدال الثانية ألفاً من التباس الاستفهام بالخبر، وورش على أصله من القصر والتوسط والطول لأن تغير الهمز بالتسهيل لا يمنع البدل. ينظر: البدور الزاهرة للقاضي ص 228.
[2] هذه الكلمة تتكون من ثلاث همزات الأولى والثانية مفتوحتان والثالثة ساكنة (أَأَأْلهتنا) وقد أجمع القرَّاء إلى إثبات الأولى محققة، كما أجمعوا على إبدال الثالثة ألفاً واختلفوا في الثانية فسهللها نافع، وابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر، وأبو جعفر، ورويس عن يعقوب. وحققها الباقون. ولم يدخل أحد ألفاً بين الأولى والثانية. كما أن ورشاً لا يبدل الثانية ألفاً، فليس له إلاَّ التسهيل بين بين وهو على أصله في ثلاثة البدل: القصر والتوسط والطول لأن تغير الهمز بالتسهيل لا يمنع البدل. ينظر: البدور الزاهرة للقاضي ص 549.
[3] قرأها قالون عن نافع، والبزي عن ابن كثير، وأبو عمرو بإسقاط الأولى مع القصر والمدِّ وتحقيق الثانية. وقرأها ورش عن نافع، وقنبل عن ابن كثير، وأبو جعفر، ورويس عن يعقوب بتسهيل الثانية بين بين مع تحقيق الأولى، ولورش، وقنبل وجه ثان وهو إبدال الثانية بحرف مدٍّ، وإذا سهل ورش يكون له ثلاثة أوجه في البدل المغير: القصر والتوسط والطول، وإذا أبدل يكون له وجهان: القصر والمد. فيكون لورش في الحالين خمسة أوجه. أما قنبل فله حين التسهيل القصر فقط كغيره من المسهلين، وله حين الإبدال القصر والمدُّ كورش، فيكون له في الحالين ثلاثة أوجه. وقرأ الباقون بتحقيقهما.
[4] أبدل الهمزة الثانية فيهما ياءً محضة نافع، وابن كثير، وأبو عمرو، وأبو جعفر ورويس عن يعقوب (هَؤُلاءِ يالهة)، (من السماء ياية)، وورش على أصله بمد الهمزة المبدلة، وله أيضاً التوسط والقصر.
[5] إن سبب مد الأزرق عن ورش البدل لوجود الهمز سواء أكان متقدماً أم متأخراً عن حرف المدِّ، فوجود الهمز كان السبب للمد عند ورش.
[6] قطع له بالقصر من طريق التذكرة، والشاطبية، والإعلان في القراءات لأبي القاسم الصفراوي، وبه قرأ ابن الجزري. ينظر: تقريب النشر ص 52.
[7] ينظر: تقريب النشر ص 52. وجاء في كتاب الفارق بين رواية ورش وحفص ص (22): (مدُّ البدل خاص بورش وله فيه الأوجه الثلاثة والمشهور عنه التوسط لأنه من رواية الأزرق)، وبالقصر قرأ ابن الجزري، وجاء في البدور ص 41: وأقوى الأوجه الثلاثة في البدل القصر فينبغي تقديمه على التوسط والطول.
[8] ذهب الداني، والأهوازي، وابن بليمة، وأبو علي الهرَّاس فيما رواه على ابن عدي إلى التوسط، وهو اختيار أبي علي الحسن بليمة. ينظر: النشر 1/ 264.
[9] روى المدَّ عن ورش من طريق الأزرق في جميع الباب أبو عبد الله بن سفيان صاحب الهادي، وأبو محمد مكي بن أبي طالب في التبصرة، وأبو عبد الله بن شريح صاحب الكافي، وأبو العباس المهدوي صاحب الهداية، وأبو الطاهر بن خلف صاحب العنوان، وأبو القاسم الهذلي، وأبو الفضل الخزاعي، وأبو الحسن الحصري، وأبو القاسم بن الفحام صاحب التجريد، وأبو الحسن بن بليمة صاحب التلخيص، وأبو علي الأهوازي، وأبو عمرو الداني من قرائته على أبي الفتح، وخلف ابن خاقان وغيرهم من سائر المصريين، والمغاربة زيادة المدِّ في ذلك كله. ثم اختلفوا في مقدار هذه الزيادة: فذهب الهذلي فيما رواه عن شيخه أبي عمرو إسماعيل بن راشد الحداد إلى الإشباع المفرط كما هو مذهبه في المدِّ المنفصل. قال: وهو قول محمد بن سفيان القروي، وأبي الحسن يعني الخبازي عن أبي محمد المصري يعني عبد الرحمن بن يوسف أحد أصحاب ابن هلال. وذهب الجمهور إلى أن الإشباع من غير إفراط وسووا بينه وبين ما تقدم على الهمزة وهو أيضاً ظاهرة عبارة التبصرة، والتجريد. وذكر أبو شامة أن مكياً ذكر كلاً من الإشباع والتوسط. وذكر السخاوي عن مكي بن أبي طالب الإشباع فقط. ينظر: النشر 1/ 264.
حامد شاكر العاني
يمكنك ترك رسالة هنا إذا أردت الاستفسار عن شئ