معنى التجسس




التجسس


معنى التجسس لغةً واصطلاحًا


● معنى التجسس لغةً

مأخوذ من الجَسِّ : وهو جَسُّ الخبر ، ومعناه : بحث عنه وفحص ، وتَجَسَّسْتُ فلانًا ومن فلان : بحثت عنه ، والتَّجَسُّسُ بالجيم التفتيش عن بواطن الأمور ، وأكثر ما يقال في الشرِّ.

👈 والجاسُوسُ : العين يَتَجَسَّسُ الأخبار ثم يأتي بها ، وهو صاحب سِرِّ الشَّر ، والناموسُ صاحب سرِّ الخير.

● معنى التجسس اصطلاحًا

التجسس : البحث عن العورات والمعايب ، وكشف ما ستره الناس.



الفرق بين : التجسس والتحسس

📚 قال أبو هلال العسكري : (الفرق بين التحسس والتجسس : التحسس - بالحاء المهملة -: طلب الشيء بالحاسة ، والتجسس - بالجيم - مثله.

● وفي الحديث : ((لا تحسسوا ، ولا تجسسوا )) رواه البخاري ومسلم ، قيل : معناهما واحد ، وعطف أحدهما على الآخر لاختلاف اللفظين كقول الشاعر :

متى أدن منه ينأ عني ويبعد

#وقيل : #التجسس -بالجيم- البحث عن عورات النساء ، -وبالحاء- الاستماع لحديث القوم.

ويروى أن ابن عباس سئل عن الفرق بينهما فقال : (لا يبعد أحدهما عن الآخر : التحسس في الخير ، والتجسس في الشر) قلت : ويؤيده قوله تعالى حكاية عن يعقوب : {يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ}  [يوسف: 87] - بالحاء - على القراءة المشهورة ، فإنَّه كان متوقِّعًا لأن يأتيه الخبر بسلامة يوسف.

● وقوله سبحانه : {وَلا تَجَسَّسُوا}  [الحجرات: 12] - بالجيم - فإنَّ المنهي عنه البحث عن معائب الناس وأسرارهم التي لا يرضون بإفشائها ، واطلاع الغير عليها).

وقال بعضهم : ( #التحسس بالحاء أن تستمع الأخبار بنفسك ، وبالجيم أن تتفحَّص عنها بغيرك).

📖 وقال الترمذي الحكيم : (التحسُّس- يعني بالحاء- هو طلب أخباره والفتش عنه ؛ شفقة ونصحًا واحتياطًا ؛ فتطيب نفسه لطيب أخباره ، وحسن حاله ، أو ليرفده إن كان في أمره خلل بنصح واحتياط ومعونة ، #والتجسس أن تفتش عن أخبار مغطية مكروهة أن تعلم بها ، فتستخرجها بفتشك لهتك الستور ، والكشف عن العورات والمساوئ).

وقال ابن حبيب : (بالحاء أن تسمع ما يقول أخوك فيك ، وبالجيم أن ترسل من يسأل لك عما يقال لك في أخيك من السوء).


⚠️ ذم التجسس والنهي عنه

أولًا : ذم التجسس والنهي عنه في القرآن الكريم


نهى الله تبارك وتعالى عباده المؤمنين عن التجسس في آية محكمة وصريحة تدلُّ على حرمة هذا الفعل المشين ، والخصلة المذمومة :

1⃣ فقال تبارك وتعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ}  [الحجرات: 12].

📚 قال ابن جرير وهو يتحدث عن تفسير قوله : {وَلا تَجَسَّسُوا} يقول : (ولا يتتبع بعضكم عورة بعض ، ولا يبحث عن سرائره ، يبتغي بذلك الظهور على عيوبه ، ولكن اقنعوا بما ظهر لكم من أمره ، وبه فاحمدوا أو ذموا ، لا على ما لا تعلمونه من سرائره...). ثم ذكر أثر ابن عباس : (نهى الله المؤمن من أن يتتبع عورات المؤمن).

#وقال_البغوي : (نهى الله تعالى عن البحث عن المستور من أمور الناس وتتبع عوراتهم ؛ حتى لا يظهر على ما ستره الله منها).


2⃣ ومن ذلك قول الله تعالى : {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا}  [الأحزاب: 58].

وأي إيذاء أكبر من تتبع عورات الناس ، والبحث عن سوءاتهم ، والتجسس عليهم ، وإظهار ما ستره الله من ذنوبهم؟!

📚 قال ابن عثيمين : (التجسس أذية ، يتأذى به المتجَسس عليه ، ويؤدي إلى البغضاء والعداوة ويؤدي إلى تكليف الإنسان نفسه ما لم يلزمه ، فإنك تجد المتجسس والعياذ بالله ، مرة هنا ومرة هنا ، ومرة هنا ، ومرة ينظر إلى هذا ومرة ينظر إلى هذا ، فقد أتعب نفسه في أذية عباد الله).

3⃣ وقال تعالى وهو يتحدث عن المنافقين وعن صفاتهم : {لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} [التوبة: 47].

📖 قال مجاهد : (معناه وفيكم محبون لهم ، يؤدون إليهم ما يسمعون منكم ، وهم #الجواسيس).

وقال القرطبي : {وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ} أي : عيون لهم ، ينقلون إليهم الأخبار منكم.



ثانيًا : ذم التجسس والنهي عنه في السنة النبوية

لقد شدَّد رسول الله صلى الله عليه وسلم في النهي عن التجسس والتحذير منه ، وبيَّن أنَّه مفسد للأخوة ، وسبب في تقطيع الأواصر والصلات ، وسبيل إلى إفساد الناس :

1⃣ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إيَّاكم والظنَّ ، فإنَّ الظنَّ أكذب الحديث ، ولا تحسسوا ، ولا تجسسوا ، ولا تنافسوا ، ولا تحاسدوا ، ولا تباغضوا ، ولا تدابروا ، وكونوا عباد الله إخوانًا )). رواه البخاري ومسلم.

2⃣ وعن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه ، لا تغتابوا المسلمين ، ولا تتبعوا عوراتهم ، فإنه من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته ، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته )). صحَّحه الألباني.

#قوله : ((يا معشر من آمن بلسانه ، ولم يدخل الإيمان قلبه)) : (فيه تنبيه على أنَّ غيبة المسلم من شعار #المنافق لا المؤمن.

¤ ((ولا تتبعوا عوراتهم)) أي : لا تجسسوا عيوبهم ومساويهم.

¤ ((يتبع الله عورته)) ذكره على سبيل المشاكلة ، أي : يكشف عيوبه ، وهذا في الآخرة. #وقيل : معناه يجازيه بسوء صنيعه.

¤ ((يفضحه)) أي : يكشف مساويه. 

¤ ((في بيته)) أي : ولو كان في بيته مخفيًّا من الناس).


أقوال السلف والعلماء في التجسس

عن ابن عباس في قوله : {وَلا تَجَسَّسُوا} قال : (نهى الله المؤمن أن يتبع عورات أخيه المؤمن).

وأتي ابن مسعود رضي الله عنه فقيل : هذا فلان تقطر لحيته خمرًا. فقال عبد الله : إنا قد نهينا عن التجسس ، ولكن إن يظهر لنا شيء نأخذ به..

وقال مجاهد في قوله : {وَلا تَجَسَّسُوا} قال : (خذوا ما ظهر لكم ، ودعوا ما ستر الله).

□ وقال قتادة في تفسيرها : (هل تدرون ما التجسس أو التجسيس؟! هو أن تتبع ، أو تبتغي عيب أخيك لتطلع على سرِّه).

وقال ابن زيد في تفسيرها أيضًا : قال : حتى أنظر في ذلك وأسأل عنه ، حتى أعرف حقٌّ هو ، أم باطل؟ قال : فسماه الله تجسسًا ، قال : يتجسس كما يتجسس الكلاب.

وقال الحسن : (لا تسأل عن عمل أخيك الحسن والسيئ ، فإنَّه من التجسس).

وقال أبو حاتم : (الواجب على العاقل مباينة العوام في الأخلاق والأفعال ، بلزوم ترك التجسس عن عيوب الناس ؛ لأنَّ من بحث عن مكنون غيره بحث عن مكنون نفسه ، وربما طمَّ مكنونه على ما بحث من مكنون غيره ، وكيف يستحسن مسلم ثلب مسلم بالشيء الذي هو فيه).

وقال أيضًا : (التجسس من شعب النفاق ، كما أنَّ حسن الظن من شعب الإيمان).

وقال : (الواجب على العاقل لزوم السلامة بترك التجسس عن عيوب الناس ، مع الاشتغال بإصلاح عيوب نفسه ، فإنَّ من اشتغل بعيوبه عن عيوب غيره أراح بدنه ، ولم يتعب قلبه).



أقسام التجسس وحُكم كلِّ قسم

الأصل في التجسس أنَّه محرم شرعًا ، منهيٌّ عنه ، غير أنَّ هناك بعض الصور قد تقتضي المصلحة جوازها.


وعليه فيمكننا أن نقسم التجسس إلى قسمين :

1⃣ تجسس ممنوع :

(ويُقصد به تتبع عورات الناس وأسرارهم ، والكشف عن معائبهم ؛ بدافع الفضول وإشباع غريزة حبِّ الاستطلاع ، دون أن يكون له غرض مباح ؛ من جلب منفعة راجحة ، أو دفع مفسدة متوقعة ، سواء أكان ذلك بالتطلُّع ، أو التنصت والاستماع).

وهذا النوع من أنواع التجسس هو الذي نصَّت الأدلة الواضحة على #تحريمه ، ولم يبح إلا في حالات خاصة ، فـ (إنَّ الأصل في المسلم الطهارة ، والعفة ، والبراءة ، والسلامة من كلِّ شيء مشين ، ولذا كان الأصل في الإسلام النهي عن التجسس بجميع صوره وأشكاله ، سواء كان تجسس الفرد على الفرد ، أو الفرد على الدولة ، أو الدولة على الدولة ؛ لأنَّ التجسس انتهاك لحرمة المسلم ، وكشف ستره ، وقد يسبب الحقد والبغض بين أفراد المجتمع المسلم ، وهذا الذي يرفضه الإسلام جملة وتفصيلًا).

أقسام التجسس وحُكم كلِّ قسم
جسس مشروع :

وأما النوع الثاني من أنواع التجسس ، وهو التجسس #المشروع ، فـيراد به كلُّ تجسس يهدف إلى #مصلحة الدولة الإسلامية في تعاملها مع أعدائها ، أو تطهيره المجتمعات من أهل الشرِّ والفساد ، وملاحقتهم والتضييق عليهم.

وهذا القسم من أقسام التجسس #يتفاوت حكمه التكليفي من الوجوب إلى الإباحة ، حسب ما تقتضيه المصلحة والضرورة :

👈 فهناك ما هو تجسس #واجب : (وهو ما يكون طريقًا إلى إنقاذ نفس من الهلاك ، أو القضاء على الفساد الظاهر ؛ كاستدراك فوات حرمة من حرمات الله... ووجه وجوبه أنَّ ذلك من ضمن وسيلة النهي عن المنكر).

👈 وهناك ما هو تجسس #مباح ، وهو ما عدا ذلك من الصور التي استثناها الشرع من التحريم ، ولا تصل إلى درجة الوجوب ، كالتجسس على الأعداء لمعرفة عددهم وعتادهم وغيرها.



آثار التجسس الممنوع

1⃣ أن التجسس مظهر من مظاهر سوء الظنِّ ، وأثر من آثاره ، فهو متولِّد عن صفة مذمومة سيئة نهى عنها الدين الحنيف.

وذلك لأنَّ الظنَّ يبعث عليه حين تدعو الظانَّ نفسه إلى تحقيق ما ظنَّه سرًّا ، فيسلك طريق التجسس.

2⃣ والتجسس صورة من صور ضعف الإيمان ، وضعف التدين ، وقلة المراقبة ، هذا على الجانب الديني ؛ أما الأخلاقي والسلوكي ، فهو يدلُّ على دناءة النفس وخسَّتها ، وضعف همَّتها ، وانشغالها بالتافه من الأمور عن معاليها وغاياتها.

3⃣ وهو سبيل إلى قطع الصلات ، وتقويض العلاقات ، وظهور العداء بين الأحبة ، وبثِّ الفرقة بين الإخوان ، فقد يرى المتجسس مِن المتجسس عليه ما يسوءه ، فتنشأ عنه العداوة والحقد ، ويدخل صدره الحرج والتخوف ؛ بعد أن كانت ضمائره خالصة طيبة ، وذلك من نكد العيش.

4⃣ وبالتجسس تنهار القدوات ، وتصغر في الأعين القامات ، وعندها تهون الذنوب وتحقَّر السيئات ، وتفسير ذلك أنَّ المتجسس عليه إذا كان في منزل القدوة ؛ واطلع منه على أمر سيئ ، أو ذنب ، أو معصية فإنَّه لا شكَّ سيقلُّ قدره ، وستتلاشى مكانته ، ولن يقبل منه نصحًا ولا توجيهًا ، بل ربما تهون المعصية التي عملها على المتجسس فيعملها ؛ بحجة أن ليس أحسن حالًا من فلان القدوة الذي تلبس بها.

5⃣ والتجسس يؤدي إلى فساد الحياة ؛ فتصبح مليئة بالشكوك والتخوفات ، فلا يأمن الإنسان على خصوصياته من أن تنكشف أو تظهر للناس ، بل يعيش المرء في حالة من الشك الذي لا ينتهي ، وهذا تصديق لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاوية رضي الله عنه قال : ((إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم ، أو كدت أن تفسدهم )). صحَّحه الألباني.



6⃣ والتجسس يؤدي إلى الكراهية ، ويدفع إلى الانتقام ، فإذا علم شخص ما أن فلان يتجسس عليه ، ويريد أن يهتك ستره ، ويفضح أمره سعى هو من جانبه إلى التجسس عليه ، وفضحه وهكذا.

📚 يقول ابن عاشور : فـ (إن اطلع المتجسس عليه على تجسس الآخر ساءه ؛ فنشأ في نفسه كره له ، وانثلمت الأخوة... ، ثم يبعث ذلك على انتقام كليهما من أخيه).

7⃣ كما أنَّه سبيل إلى إشاعة الفاحشة بين المسلمين ، وانتشار السوء بينهم ، وذلك بما يحصل من نشر لما استتر من الفضائح ، وإظهار لما خفي من السوءات.

8⃣ وهو دليل بين واضح على سوء الطوية ، وعن نفاق يعشش في القلب ، وأنَّ صاحبه بعيد عن الإيمان وإن ادعاه ، مجانب للتقوى وإن تزيا بلباسها ، لذا كان نداء رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن هذه صفته بقوله : ((يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه...  )). صحَّحه الألباني.

9⃣ أن صاحبه متوعَّد بالفضيحة وكشف العورة حتى ولو كان في قعر داره ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه ، لا تغتابوا المسلمين ، ولا تتبعوا عوراتهم ، فإنَّه من اتبع عوراتهم يتَبَّع الله عورته ، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته )). صحَّحه الألباني.

🔟 ويكفي التجسس سوءًا أن صاحبه يعرض نفسه لغضب الله ، واستحقاق العذاب الأليم ، هذا في الآخرة ، أما في الدنيا فيبقى مكروهًا مبغوضًا من الناس ؛ فهو دائمًا في محل ريبة ، لا يأنسون به ، ولا يرتاحون بحضوره.

صور التجسس الممنوع

1⃣ التجسس على بيوت المسلمين والاطلاع على عوراتهم (بالاستماع من وراء الأبواب ، أو بالدخول في البيوت على حين غفلة من أهلها ، أو باستئذان لغرض كاذب ، كشرب الماء والمقصود غير ذلك... وكل ذلك لا يجوز في شرع الإسلام).

2⃣ ومن صوره أيضًا : اقتحام البيوت ، والخلوات بحجة ضبط من فيها متلبسين بالمعصية ، ولا شك أنَّ هذا مما لا يبيحه الشرع ولا يقبله.

3⃣ ومن صور التجسس الممنوع : التقصي والبحث عن معاصٍ وسيئات اقترفت في الماضي ، والتجسس على أصحابها لمعرفتها.

#قال_السفاريني : (ويحرم تجسيس على ما يفسق به في الزمن الماضي ، أو الفسق الماضي مثل أن يشرب الخمر في الزمن الذي مضى ، وتبحث عنه أنت بعد مدة لأن ذلك إشاعة للمنكر بما لا فائدة فيه ، ولا عود على الإسلام ، وإنما هو عيب ونقص ، فينبغي كفه ونسيانه دون إذاعته وإعلانه ، وإنما يحرم التجسس عن ذلك إن لم يجدد العود عليه ، والإتيان به ثانيًا ، فإن عاوده فلا حرمة إذن.
قال في الرعاية : ويحرم التعرض لمنكر فُعِل خفية على الأشهر ، أو ماض ، أو بعيد ، وقيل يجهل فاعله ومحله. وقال أيضًا : لا إنكار فيما مضى وفات إلا في العقائد أو الآراء).



 صور التجسس المشروع

1⃣ من صور التجسس المشروع : التجسس على أعداء الأمة لمعرفة عددهم وعتادهم (فقد اتفق الفقهاء على أنَّ التجسس والتنصت على الكفار في الحرب #مشروع وجائز لمعرفة عددهم ، وعتادهم ، وما يخطِّطون له ، ويدبِّرون من المكائد للمسلمين ، وهو الأمر الذي يكون بعلم الإمام ، وتحت نظره ومعرفته).

فالتجسس على أعداء الأمة الإسلامية بتتبُّع أخبارهم ، والاطِّلاع على مخططاتهم التي يعدُّونها للقضاء على الأمة الإسلامية ، وإثارة الفتنة والقلاقل بين صفوفها ، وزعزعة أمنها واستقرارها أمر #مشروع ، بل قد يكون واجبًا في حالة قيام حرب بينهم وبين المسلمين ، وقد دلَّ على مشروعيته الكتاب والسنة وعمل الصحابة :

فمن الكتاب :

عموم قول الله تعالى : {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ}  [الأنفال : 60].

👈 فقد أمرت الآية المسلمين بإعداد ما يستطيعون من قوة لمواجهة الأعداء ، ومن أسباب القوة التخطيط السليم ، واليقظة والحذر ، والتأهب الدائم ؛ لإحباط مخططات الأعداء ، ولا شكَّ أنَّ ذلك لا يتمُّ إلا بمعرفة أخبار الأعداء وخططهم ، ورصد تحركاتهم ، وما لا يتمُّ الواجب إلا به فهو واجب ، فدلَّت الآية على مشروعية التجسس على الأعداء بكلِّ وسيلة شريفة ، وطريقة نبيلة.


ومن السنة أحاديث كثيرة ، منها :

● عن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب : ((من يأتينا بخبر القوم؟)) فقال الزبير : أنا. ثم قال : ((من يأتينا بخبر القوم؟)) فقال الزبير : أنا ، ثم قال : ((من يأتينا بخبر القوم؟)) فقال الزبير : أنا. ثم قال : ((إنَّ لكلِّ نبيٍّ حواريًّا ، وإنَّ حواريَّ الزبير )). رواه البخاري.

● وعن المسور بن مخرمة ، ومروان بن الحكم ، يزيد أحدهما على صاحبه قالا : ((خرج النبي صلى الله عليه وسلم عام الحديبية في بضع عشرة مائة من أصحابه ، فلما أتى ذا الحليفة ، قلَّد الهدي وأشعره وأحرم منها بعمرة ، وبعث عينًا له من خزاعة ، وسار النبي صلى الله عليه وسلم حتى كان بغدير الأشطاط أتاه عينه ، قال : إنَّ قريشًا جمعوا لك جموعًا ، وقد جمعوا لك الأحابيش ، وهم مقاتلوك ، وصادُّوك عن البيت ، ومانعوك. فقال : أشيروا أيها الناس عليَّ ، أترون أن أميل إلى عيالهم وذراري هؤلاء الذين يريدون أن يصدُّونا عن البيت ، فإن يأتونا كان الله عزَّ وجلَّ قد قطع عينًا من المشركين ، وإلا تركناهم محروبين. قال أبو بكر : يا رسول الله ، خرجت عامدًا لهذا البيت ، لا تريد قتل أحد ، ولا حرب أحد ، فتوجَّه له ، فمن صدنا عنه قاتلناه. قال : امضوا على اسم الله )). رواه البخاري.

✔️ فهذه الأحاديث جميعها تدل على #مشروعية جمع المعلومات عن #الأعداء ، وكشف مخططاتهم ، وذلك بالطرق المشروعة والوسائل الشريفة ، وأنَّه عليه الصلاة والسلام كان يتخير لهذه المهمة الأشخاص الذين كان يثق بهم حرصًا منه على صحة المعلومات التي تصله ، ودقَّتها ، لكي يبني عليها خططه العسكرية في مواجهة الأعداء.



أسباب التجسس الممنوع

للتجسس الممنوع عدة دوافع يمكننا أن نذكر منها ما يلي :

1⃣ الفضول المحض : قد يكون الدافع إلى التجسس وتتبع عورات الناس هو الفضول المحض ، وحبَّ الاستطلاع ، ومعرفة ما خفي واستتر.

2⃣ قصد الإيذاء والفضيحة : فيتجسس على الشخص لكي يؤذيه ، أو يفضحه ؛ لغرض في نفسه ، قد يكون دافعه الحسد ، أو الكراهية ، أو غير ذلك من الأمور.

3⃣ سوء الظنِّ : فالتجسس كما أسلفنا هو أثر من آثار سوء الظنِّ ، فإذا ظنَّ شخص بشخص سوءًا دفعه ذلك إلى التحقُّق من ظنِّه ، فيعمد إلى التجسس وتتبع العورات.

4⃣ الانتقام والمعاملة بالمثل : وذلك إذا علم المتجسس عليه أن شخص ما يتتبع عورته ، ويتجسس على خصوصياته ، فعند ذلك يدفعه الانتقام إلى التجسس والبحث والتقصي ، وخاصة إذا تسبب المتجسس في أذيته وفضحه.

5⃣ أن يكون مدفوعًا من جهة ما للتجسس ، نظير تحصيل مال أو غيره.


الوسائل المعينة على ترك التجسس

1⃣ أن يراقب الله تبارك وتعالى قبل كل شيء ، ويخشى أليم عقابه ، وقوة انتقامه ، فإن في ذلك زاجرًا له عن هذه الخلة القبيحة.

2⃣ أن يترك الإنسان فضوله ، وحبه للتفتيش ، والاستطلاع على الآخرين ، وذلك بأن يشغل نفسه بما يهمه في دنياه وأخراه ، ويعلق نفسه بمعالي الأمور ، ويبعدها عن سفاسفها ، ويعمل بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه )). صحَّحه الألباني.

3⃣ أن ينمي في نفسه الحرص على وحدة المسلمين وترابطهم ، والخوف من تفككهم ، وتقطع الأواصر بينهم ، فإن هذا يجعله يبتعد عن كل ما يكون سببًا في تهديد هذه الوحدة والترابط ، سواء كان ذلك السبب هو التجسس ، أو غيره من الأخلاق السيئة.

4⃣ أن يتدبر النصوص القرآنية ، والأحاديث النبوية ، وآثار السلف التي تحذر من هذه الصفة فإن في ذلك رادع قوي وعلاج ناجع.

5⃣ أن يعرف أن ما يفعله هو أذية للمسلمين ، وأن أذيتهم لا تجوز شرعًا.

6⃣ أن يخشى المتجسس من الفضيحة التي توعد بها رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين يتتبعون عورات الناس ، وأن الله سيفضحهم ولو في قعر دورهم.

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -