تفسير قول الله تعالى
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ﴾قال عز وجل: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾ [الجمعة: 9 - 11].
روى مسلم في صحيحِه عن ابنِ عبَّاس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "كان يقرأُ في صلاة الجمعة بسورة الجمعة والمنافقين".
وروى مسلم من حديث النعمان بن بشير أنه صلى الله عليه وسلم "كان يقرأُ في الأولى بـ ﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ﴾، وفي الثانية بـ ﴿ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ ﴾".
وروى البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأُ في الجمعة في صلاة الفجر ﴿ الم * تَنْزِيلُ ﴾ السجدة، ﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ ﴾".
إنما سميت الجمعة جمعة؛ لأنها مشتقة من الجمع؛ فإن أهل الإسلام يجتمعون فيه في كل أسبوع مرة بالمعابد الكبار، وفيه كمل جميعُ الخلائقِ، وفيه خُلِق آدمُ، وفيه أُدخِل الجنة، وفيه أُخرِج منها، وفيه تقومُ الساعة، كما ثبتت بذلك الأحاديثُ الصحاح، وقد كان يقال له (يوم العروبة)، وثبت أن الأمم قبلنا أُمروا به، فضلُّوا عنه، واختار اليهود يومَ السبت الذي لم يقع فيه خلقُ آدم، واختار النصارى يومَ الأحد الذي ابتُدِئ فيه الخلق، واختار الله لهذه الأمة يومَ الجمعة الذي أكملَ اللهُ فيه الخليقة.
أخرج البخاريُّ ومسلم رحمهما الله تعالى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((نحن الآخرون السابقون يوم القيامة، بَيْدَ أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، ثم إن هذا يومهم الذي فرض الله عليهم فاختلفوا فيه، فهدانا اللهُ له، فالناسُ لنا فيه تَبَعٌ، اليهود غدًا، والنصارى بعدَ غدٍ))، وعن أبي هريرة وحذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أضلَّ اللهُ عن الجمعة مَن كان قبلنا، فكان لليهود يوم السبت، وكان للنصارى يومَ الأحد، فجاء الله بنا، فهدانا ليوم الجمعة)).
وقد أمر الله تعالى المؤمنين بالاجتماع لعبادته يوم الجمعة، فقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ... ﴾ [الجمعة: 9]؛ أي: اقصدوا واعمدوا واهتموا في سيركم إليها، وليس المراد بالسعي ها هنا المشيَ السريع؛ وإنما هو الاهتمام بها؛ كقوله تعالى: ﴿ وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ... ﴾ [الإسراء: 19]، فأما المشي السريع، فقد نُهِي عنه؛ لما أخرجاه في الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا أتيتم الصلاة فعليكم بالسكينة، ولا تأتوها وأنت تسعَوْن، فما أدركتم فصلُّوا، وما فاتكم فأتمُّوا))، وفي رواية: ((إذا أتيتَ الصلاة، فَأْتِها بوقار وسكينة، فصلِّ ما أدركتَ، واقضِ ما فاتك))، وقال الحسن: "أمَا والله ما هو السعيُّ على الأقدام، ولقد نُهوا أن يأتوا الصلاة إلا وعليهم السكينة والوقار، ولكن بالقلوب والنية والخشوع"، وقال قتادة في قوله تعالى: ﴿ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ﴾ [الجمعة: 9]: يعني: "أن تسعى بقلبك وعملك؛ وهو المشي إليها"، ويوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ من أفضل أيامكم يومَ الجمعة؛ فيه خُلِق آدم، وفيه قُبِض، وفيه النفخةُ، وفيه الصعقة؛ فأكثروا عليَّ من الصلاة فيه؛ فإن صلاتكم معروضة عليَّ، إن الله حرَّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء))، وقال: ((خيرُ يوم طلعتْ عليه الشمس يوم الجمعة؛ فيه خُلق آدم، وفيه أُدخِلَ الجنة، وفيه أُخرِجَ منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة).
وشُرع اجتماع المسلمين فيه؛ لتنبيههم على عظم نعمة الله عليهم، وشُرعت فيه الخطبة؛ لتذكيرهم بتلك النعمة، وحثِّهم على شكرها، وشُرِعتِ الصلاة في وسط النهار؛ ليتمَّ الاجتماع في مسجد واحد، وأمر الله المؤمنين بحضور ذلك والاجتماع لسماع الخطبة وإقامة تلك الصلاة، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ... ﴾ [الجمعة: 9]؛ قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "كان مِن هدي النبي صلى الله عليه وسلم تعظيمُ هذا اليوم، وتشريفُه، وتخصيصه بعبادات يختصُّ بها عن غيره، وقد اختلف العلماء: هل هو أفضل من يوم عرفة؟ على قولين، هما وجهان لأصحاب الشافعي، وكان يقرأ في فجره بسورتي ﴿ الم * تَنْزِيلُ الْكِتَابِ ﴾ السجدة، و﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ ﴾، إلى أن قال: "وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: "إنما كان النبي يقرأ هاتين السورتين في فجر الجمعة؛ لأنهما تضمنتا ما كان يكون في يومها؛ فإنهما اشتملتا على خلق آدم، وعلى ذكر المعاد، وحشر العباد، وذلك يكون يوم الجمعة، وكان في قراءتهما في هذا اليوم تذكير للأمة بما كان ويكون، والسجدات جاءت تبعًا ليست مقصودة حتى يقصد المصلي قراءتها حيث اتفقت - (يعني: من أي سورة)"
يمكنك ترك رسالة هنا إذا أردت الاستفسار عن شئ