{والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض}

 



📌 قال الله تعالى: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض} [التوبة:71].

يخبر تعالى أن المؤمنين والمؤمنات بعضهم أنصار بعض؛ يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ويؤدون الصلاة المفروضة كما يجب، ويعطون الزكاة لمستحقيها، ويطيعون الله ورسوله، أولئك سيرحمهم الله تعالى؛ إن الله عزيز حكيم.
ويخبر تعالى أنه وعدهم جنات تجري من تحت أشجارها الأنهار، ماكثين فيها أبدا، ووعدهم أن يسكنهم منازل حسنة، لا عيب فيها، في جنات إقامة دائمة، لا يخرجون منها، ورضوان منه تعالى عن المؤمنين والمؤمنات أعظم من نعيم الجنة، ذلك الذي وعد الله به المؤمنين والمؤمنات هو الفوز العظيم.
تفسير الآيتين:

والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولـئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم .
مناسبة الآية لما قبلها:
لما وصف الله تعالى المنافقين بالأعمال الفاسدة، والأفعال الخبيثة، ثم ذكر عقيبه أنواع الوعيد في حقهم في الدنيا والآخرة؛ ذكر بعده- في هذه الآية- كون المؤمنين موصوفين بصفات الخير، وأعمال البر، على ضد صفات المنافقين  .
وأيضا لما بين سبحانه أن المنافقين بعضهم من بعض، وما توعدهم به وما استتبعه من تهديدهم بإهلاك من شابهوه، وختم بما سبب هلاكهم من إصرارهم وعدم اعتبارهم- عطف ببيان حال المؤمنين؛ ترغيبا في التوبة، طمعا في مثل حالهم  ، فقال:
والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض.
أي: وأما المؤمنون والمؤمنات فبعضهم أنصار بعض، متحابون في الله، متعاطفون، غير متفرقين  .
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((المؤمن للمؤمن كالبنيان؛ يشد بعضه بعضا  ))  .
وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى  ))  .

ثم بين أوصافهم الحميدة، كما بين أوصاف من قبلهم من المنافقين، فقال  :
يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.
أي: المؤمنون والمؤمنات يأمرون الناس بكل خير يحبه الله، من الإيمان والعمل الصالح، وينهونهم عن كل شر يبغضه الله، من الكفر والشرك والمعاصي  .
كما قال تعالى: ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون [آل عمران: 104] .
وقال سبحانه: التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين [التوبة: 112] .
ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة.
أي: ويؤدون الصلوات المفروضة بشروطها وأركانها وواجباتها، ويعطون زكاة أموالهم لمستحقيها  .
ويطيعون الله ورسوله.
أي: ويلازمون طاعة الله تعالى فيما أمرهم به أو نهاهم عنه، ويلازمون طاعة رسوله عليه الصلاة والسلام فيما أمرهم به، أو نهاهم عنه  .
أولـئك سيرحمهم الله.
أي: هؤلاء الذين هذه صفتهم سيرحمهم الله في الدنيا والآخرة  .
إن الله عزيز حكيم.
أي: إن الله تعالى ذو عزة، فمن أطاعه أعزه، ومن عصاه وكفر به فإنه ينتقم منه، لا يمنعه منه مانع، ولا ينصره منه ناصر، فهو قوي قاهر، حكيم في انتقامه منهم، وفي جميع ما يفعله، فيضع كل شيء في موضعه اللائق به  .
وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم (72).

مناسبة الآية لما قبلها:
لما ذكر الله تعالى الوعد في الآية الأولى على سبيل الإجمال؛ ذكره في هذه الآية على سبيل التفصيل؛ وذلك لأنه تعالى وعد بالرحمة، ثم بين في هذه الآية أن تلك الرحمة هي هذه الأشياء  .
وأيضا لما أعقب المنافقين بذكر ما وعدهم به من نار جهنم، أعقب المؤمنين بذكر ما وعدهم به من نعيم الجنان  .
وأيضا لما ذكر الله تعالى كون المؤمنين موصوفين بصفات الخير، وأعمال البر؛ ذكر بعده أنواع ما أعد الله لهم من الثواب الدائم، والنعيم المقيم  .
وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها.
أي: وعد الله المؤمنين والمؤمنات بساتين تجري من تحت أشجارها أنهار الجنة، ماكثين فيها أبدا  .
كما قال سبحانه: والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا لهم فيها أزواج مطهرة وندخلهم ظلا ظليلا [النساء: 57] .
ومساكن طيبة في جنات عدن.
أي: ووعد الله المؤمنين والمؤمنات أن يسكنهم منازل حسنة، لا عيب فيها  ، مبنية في بساتين إقامة دائمة، لا يخرجون منها  .
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما، وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبر على وجهه، في جنة عدن  ))  .

وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة، طولها ستون ميلا، للمؤمن فيها أهلون، يطوف عليهم المؤمن، فلا يرى بعضهم بعضا  ))  .
ورضوان من الله أكبر.
أي: ورضا الله تعالى عن المؤمنين والمؤمنات أعظم وأفضل مما هم فيه من نعيم الجنة  .

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة، فيقولون: لبيك ربنا وسعديك، والخير في يديك، فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى يا رب، وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك؟! فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون: يا رب، وأي شيء أفضل من ذلك؟! فيقول: أحل عليكم رضواني، فلا أسخط عليكم بعده أبدا  ))  .
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا دخل أهل الجنة الجنة، يقول الله عز وجل: هل تشتهون شيئا فأزيدكم؟ فيقولون: ربنا، وما فوق ما أعطيتنا؟! يقول: رضواني أكبر  ))  .
ذلك هو الفوز العظيم.
أي: ما وعد الله تعالى به المؤمنين والمؤمنات من النعيم والرضوان في الآخرة، هو النجاة العظيمة، والظفر الكبير الذي لا أكبر ولا أعظم منه  .


كما قال تعالى: قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم [المائدة: 119] .


وقال عز وجل: يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم [الحديد: 12] .


وقال سبحانه: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية * جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه [البينة: 7-8] .

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -