(أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:لَمَّا بيَّن اللهُ تعالى بالمثالِ السَّابِقِ أنَّ الكافرينَ لم يَصِلوا إلى شيءٍ غيرِ التَّعَبِ المُثمِرِ للعَطَبِ، وكان هذا لا يفعَلُه بنَفْسِه عاقِلٌ- ضرَب مثالًا آخَرَ بيَّن الحامِلَ لهم على الوقوعِ في ذلك، وهو السَّيرُ بغيرِ دليلٍ، الموقِعُ في خَبطِ العَشواءِ، كالماشي في الظَّلامِ .
أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ.
أي: أو مَثَلُ أعمالِ الكافرينَ في ضَلالِهم وجَهلِهم الذي لا يتبيَّنونَ فيه الهُدى والحَقَّ، مَثَلُ ظُلُماتٍ في بحرٍ عَميقٍ .
يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ.
القِراءاتُ ذاتُ الأثَرِ في التَّفسيرِ:
1- قراءةُ (سَحَابٌ ظُلُمَاتٍ): برفعِ (سَحَابٌ) منَوَّنًا، و(ظُلُمَاتٍ) بالخفضِ بدلًا مِن قَولِه: أَوْ كَظُلُمَاتٍ .
2- قراءة (سَحَابُ ظُلُمَاتٍ): برفعِ (سَحَابُ) مِن غيرِ تنوينٍ، و(ظُلُمَاتٍ) بالخفضِ، جعلَ الموجَ المتراكِمَ بمنزلةِ السَّحابِ، كما يُقالُ: سَحابةُ رحمةٍ، فأضافَ (سَحَابُ) إلى (ظُلُمَاتٍ) ليبيِّنَ في أيِّ شَيءٍ هو .
3- قراءةُ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ: برفعِهما جميعًا وتنوينِهما، و(ظُلُمَاتٌ) تبيينٌ لِقَولِه: مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ، فهذه ثلاثُ ظُلُماتٍ .
يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ.
أي: يَعلو ذلك البَحرَ اللُّجِّيَّ مَوجٌ، ومِن فوقِ الموجِ مَوجٌ آخَرُ يَعلوه، ومِن فَوقِ الموجِ الثَّاني سَحابٌ مُظلِمٌ .
ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ.
أي: ظُلمةُ البَحرِ، وظُلمةُ المَوجِ، وظُلمةُ السَّحابِ؛ هي ظُلُماتٌ مُتراكِمةٌ، بَعضُها فوقَ بعضٍ .
إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا.
أي: إذا أخرجَ مَن كان في هذه الظُّلُماتِ يَدَه لِيَنظُرَ إليها، لم يقارِبْ رُؤيتَها؛ مِن شِدَّةِ الظَّلامِ، فلا يراها مُطلقًا .
وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ.
أي: ومَنْ لم يَهدِه اللهُ في الدُّنيا لنورِ القُرآنِ ويُوفِّقْه للإيمانِ، فلا هِدايةَ له مِن أيِّ أحَدٍ كائنًا مَن كان .
كما قال تعالى: مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا [الكهف: 17].
وقال سُبحانَه: وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ [غافر: 33].
يمكنك ترك رسالة هنا إذا أردت الاستفسار عن شئ