مكونات العمل الأدبي




 العمل الأدبي


يتميز النص الأدبي من غيره من العلوم والفنون بعدد من الخصائص أو المكونات، التي تجتمع فتشكل بنيته، وتكسبه التميز من غيره، ومن خلال هذه الخصائص أو المكونات يمكننا الحكم على كونه ضمن فن الأدب أو خارجا عنه، وهذه المكونات هي:


العاطفة


والمقصود بالعاطفة: ذلك الشعور النفسي الذي يعرض للأديب نتيجة موقف أو حدث معين، فينطلق من خلاله في عمله الأدبي، محاولا تصويره للمتلقي.


والعاطفة بوجه عام حالة وجدانية تعرض لجميع الناس؛ كالفرح والحزن، والشوق والغضب، والحنين والوحدة، ونحو ذلك، ويمتاز الأديب بقدرته على تصوير هذه الحالة بإحدى صور الأدب، وكلما كانت العاطفة نبيلة راقية في السبب والغاية، ارتقى بها أدب الأديب، كتلك العاطفة الجياشة التي تحرك الأديب ليكتب عن الجود والإقدام والنجدة، ونحو ذلك، والعكس صحيح؛ فربما انعدمت العاطفة أو ضعفت جدا، وذلك إذا كان غرض الأديب التكسب بأدبه أو التقرب والمداهنة والتملق، وهذا يؤثر غالبا في أدب الأديب وإن حبره تحبيرا.


الفكرة


وربما قيل لها: المعنى أو الحقيقة، وهي المضمون الذي يعبر عنه الأديب في موضوعه، وهي الأساس الذي ينبني عليه العمل الأدبي، وهي التي يحكم من خلالها على الشاعر والناثر بالابتكار والتقليد والسرقة. وإذا كانت العاطفة هي العنصر الوجداني القلبي في العمل الأدبي، فإن الفكرة هي العنصر العقلي فيه. والفكرة عنصر رئيس في جميع الفنون الإقناعية والتعليمية؛ كالمحاضرات والمقالات، وكتب النقد والتاريخ، وفي الأدب كذلك.


الأسلوب


الأسلوب في العمل الأدبي هو الرداء الذي يكسو الشاعر به عاطفته وفكرته، فتظهر في مظهر حسن يتوافق مع حسن باطنها، أو القالب الذي تصب فيه المادة الأدبية بمشتملاتها؛ فالأسلوب يبدأ من اختيار طريقة التعبير عن الفكرة؛ سواء كانت شعرا أو رسالة، أو مقامة أو خطبة أو قصة، وغير ذلك من ألوان النثر وفنونه.

ثم يمتد بعد ذلك ليشمل طريقة اختيار الألفاظ والتراكيب، ووزن البحر وقافيته، والتفضيل بين الإيجاز والإطناب، وتزيين الكلام بالقرآن والسنة ومشهور أشعار العرب وأقوالهم، بل إنه يدخل فيه استعمال الحقيقة والمجاز بصوره وصيغه.

وهذا العنصر هو الذي يميز الأديب من غيره؛ حتى قال الأديب الفرنسي بوفون: "الأسلوب هو الرجل"؛ فمهما اتفقت العواطف والأغراض فإن الأسلوب هو ما يميز أديبا من غيره؛ فلكل أديب طابعه الخاص في صياغة أعماله، ومن الأدباء من يميل إلى السهولة واليسر في اختيار ألفاظه وصياغة الجمل، ومنهم من يميل إلى التشديد والصعوبة. والأديب الناجح هو الذي صارت له بصمة عند القراء، بحيث إذا وقفوا على قطعة أدبية دون أن تنسب لأديب معين، استطاع القارئ المطلع أن يرجح نسبتها للأديب بناء على نزعته الأدبية وأسلوبه الفريد الذي يختص به دون غيره.

ومن جهة أخرى فإن لكل موضوع من الموضوعات الأدبية أسلوبه الخاص؛ فالشعر يختلف عن النثر، وكل لون من ألوان الشعر أو النثر يختلف عن غيره، وبناء على ذلك يمكن القول: إن هناك عاملين رئيسين يؤثران في الأسلوب؛ أحدهما يرجع إلى شخصية الأديب وذوقه وبيئته، والثاني يرجع إلى طبيعة الموضوع الأدبي نفسه.


الخيال


الخيال هو اللغة التصويرية في العمل الأدبي، فهو يمثل القوة التي من خلالها يجسد الأديب المعاني والأشياء والأشخاص، ويمثلها في قوالب أدبية تنطق بالفكرة وتجسدها للمتلقي، حتى تثير مشاعره وتحرك وجدانه. والخيال من أساسيات أي عمل أدبي.


ويظهر الخيال في الأعمال الأدبية في تصويرات محكمة تستعين بالتشبيه والمجاز والاستعارة والكناية ونحوها من فنون البلاغة التي تضفي الحياة على الأفكار وتجعلها متحركة؛ تمشي وتتألم وتفكر، ونحوه. ومن الأمثلة على ذلك قول أبي ذؤيب الهذلي في الموت:

وإذا المنية أنشبت أظفارها

ألفيت كل تميمة لا تنفع 

وقول المتنبي:

وما الموت إلا سارق دق شخصه

يصول بلا كف ويسعى بلا رجل 


تمثيل لمكونات العمل الأدبي:

إذا نظرنا إلى تلك الأبيات للشاعر كثير بن عبد الرحمن، المعروف بكثير عزة، التي يقول فيها:


وإني وتهيامي بعزة بعدما

تخليت عما بيننا وتخلت

لكالمرتجي ظل الغمامة كلما

تبوأ منها للمقيل اضمحلت

كأني وإياها سحابة ممحل

رجاها فلما جاوزته استهلت 


نرى أن العاطفة المسيطرة على الشاعر هي اليأس وفقدان الأمل، مصحوبا بالحزن وشدة الغضب، وتتجلى فكرته التي بنى موضوعه عليها في عدم القرب من محبوبته، وأنه كلما اقترب ما يؤذن باللقاء، ويبث الأمل في النفس، يتلاشى تاركا خلفه الحسرة واليأس.


وقد برع الشاعر في استعمال أسلوبه؛ حيث صور تلك المعاني في كساء شعري لطيف، استهله بالتوكيد ب(إن)، ودبجه بالخيال المتمثل في استعمال التشبيه الضمني؛ حيث صور نفسه في حال تركه لعزة وتركها له بصورة المنفرد في الصحراء، حيث استبشر لما رأى غمامة تؤمه بظلها، تغيثه من الحر الذي أصابه، فلما دنا منها، وتهيأ لأن يقيل تحتها ساعة، أقشعت وتلاشت عنه، وبصورة أخرى، وهي صورة العطشان الذي يرجو نزول المطر ليسقيه ويروي أرضه، فلما دنت منه السحابة المحملة بالمطر جاوزته وانصرفت عنه إلى غيره!

كما أحسن الشاعر في اختيار أساليب الربط وأدوات الشرط، وفي التنويع بين الجملة الاسمية والفعلية، وغير ذلك  .


تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -