خصائص الحياة الجاهلية
1- الأحوال الاجتماعية:
تألفت القبيلة العربية من طبقات ثلاث: أبناؤها الأحرار الذين ينتمون إليها وتربطهم بها لحمة الدم والنسب، والعبيد: وهم الرقيق الذين يشتريهم أفراد القبيلة أو يسبونهم من حروبهم مع القبائل الأخرى، والموالي: وهم العبيد الذين يعتقهم أصحابهم ويعطونهم حريتهم، غير أنهم يصيرون تابعين لهم بالولاء، فإذا ماتوا ورثهم أصحابهم دون أهليهم، كما يدخل فيهم الخلعاء الذين تخلعهم قبائلهم وتنفيهم عنها لسوء أفعالهم وسيرتهم، وأعلنت ذلك الخلع في الأسواق والاجتماعات، فربما بادر أحد هؤلاء الخلعاء إلى قبيلة أخرى، فيستجير بها وينضم إليها، فيصبح تابعا لها، يجب عليه ما يجب على أبنائها من الحماية والرعاية.
وقد اتسم العرب في الجاهلية ببعض من الصفات والأخلاق الحميدة؛ كالمروءة والشرف وحماية الجار، والتعاون في السراء والضراء، فضلا عن الكرم الذي هو أعلى شمائلهم وأخص صفاتهم؛ فقد بعثت حياة الصحراء والجدب العربي على الإكرام، فكان الغني يذبح إبله في المجاعات وسني القحط، ويوزعها على الفقراء، كما اعتادوا على إيقاد النيران في الليل؛ لكي يأنس إليهم المسافرون، فيفدوا عليهم فيكرموهم، وإن كانوا من القبائل المعادية لهم؛ ولهذا فشت فيهم الأمثال والكنايات التي تدل على الكرم، كقولهم: (جبان الكلب، مهزول الفصيل، عظيم الرماد...).
وقد عرف عن العربي القديم صفة الوفاء؛ فما كان أحد منهم ليخفر وعدا قطعه لغيره، وإن كان في سبيل إنفاذه المال والنفس والولد، كما أنهم كانوا أحرص شيء على العرض والشرف؛ فإن أحدهم ليسلم نفسه للقتل طوعا دون أن تمس شعرة من حريمه ونسائه، ولهذا لم يشع الزنا والتغزل بالنساء الحرائر بينهم، وإنما كان أكثر تغزل الشعراء في الجواري والقينات.
ومع كل تلك الصفات النبيلة فإنهم كانوا أصحاب خمر وفجور وعصبية قبلية، وجهالة عن دين الله عز وجل، فانتشرت في كثير من قبائلهم عادة وأد البنات، ولم يكن كل الناس في كل القبيلة يصنع ذلك، وإنما كان بعض أصحاب القلوب القاسية يصنعونه تشاؤما منهن؛ إذ يرتبط عندهم الفقر بإنجاب البنات، كما أن النساء كن عرضة للسبي في الحروب والغارات، فيخشى أحدهم أن تسبى ابنته فيعير بها الدهر .
2- المعيشة:
اختلفت طريقة العيش في بيئات الجزيرة العربية في الجاهلية باختلاف طبيعة الحياة فيها؛ فقد عاش بعض أهل الحجاز كيثرب وخيبر والطائف ووادي القرى وغيرها على الزراعة، نظرا لتوافر المياه وخصوبة الأرض.
في حين اعتمدت مكة على التجارة؛ إذ كانت ملتقى للقوافل التجارية، واعتادت قريش على الخروج في قوافل للتجارة إلى الشام واليمن، كما كانت قبلة الناس إليها؛ إذ فيها الكعبة أكبر معابد العرب وقتئذ، فكان الناس يحجون إلى أصنامهم فيها، وتقيم قريش لهم الأعياد، وتعقد لهم الأسواق، فكان سوق عكاظ أكبر الأسواق مجمعا تجاريا وحفلا ثقافيا يهرع إليه الشعراء والخطباء للتفاضل بينهم فيه.
كما آثرت قبائل أخرى حياة البدو ورعي الأنعام والتنقل بحثا عن الكلأ والماء والعشب، وكان هؤلاء يحتقرون حياة المدنية المتمثلة في الزراعة والتجارة. وقد اعتمد هؤلاء على الكفاف من الطعام والشراب؛ فطعامهم القليل من الشعير، وإذا اجتمع لهم التمر واللبن كان نوعا من الرفاهية والترف، كما اقتصروا في اللباس على الثياب المتواضعة.
ووراء هذا كله كانت حياة العربي طوال دهره على شفا الهلكة؛ فإن رحى الحرب إذا دارت لم تقف إلا بعد أن تفرك عشرات الأنفس بين شقيها، وقد زاد من حدة ذلك اهتمام العرب بفكرة الثأر، وأنه لا يقتل له أحد إلا قتل في سبيله ما يكفيه من قبيلة القاتل، وربما ألهب فتيل الحرب سبب تافه يسير، واستمرت الحرب سنين طويلة، أكلت فيها الأخضر واليابس .
3- المعارف:
عرف العرب قديما شيئا من العلوم والمعارف، التي ترفع عنهم صفة الجهل العلمي بعض الشيء مقارنة بواقع حياتهم؛ فقد عرفوا من فنون الحرب وطرق سياسة الملوك للرعية ما اكتسبوه من الممالك المجاورة لهم؛ كالفرس والروم والقبط، كما كان لهم علم كبير بالنجوم والاهتداء بها، ومعرفة منازلها؛ ولهذا قال سبحانه: وعلامات وبالنجم هم يهتدون [النحل: 16] .
كذلك برع كثير منهم في علم القيافة، والاعتماد على آثار الأقدام في تتبع سير السائر وإثبات نسب الطفل من أبيه، وقد وصلوا في ذلك إلى مرحلة من اليقين بنتائجهم، حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم سر لما رأى مجزز المدلجي القائف أسامة وزيدا، وعليهما قطيفة قد غطيا رؤوسهما، وبدت أقدامهما، فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض .
وتطورت عندهم كذلك المعارف الطبية القائمة على التجربة، من غير تأسيس نظريات أو معارف؛ حيث كانوا يتداوون بالكي بالنار، ويعرفون بالتجربة فوائد بعض النباتات الطبية، وعرفوا كذلك أمراض الحيوانات وعيوبها، واستطاعوا معالجتها ومداواتها، وقد نبغ فيهم الأطباء كالحارث بن كلدة وغيره، وإن انتشرت بينهم في ذلك بعض الخرافات؛ كزعم أن شرب دم الأشراف يشفي من الكلب، وأن عظام الميت تشفي من الجنون، وأن المرض ما هو إلا أرواح شريرة تحل في المريض، فيستعان على إخراجها بالعزائم والرقى .
على أن أهم علومهم ومعارفهم التي بلغوا بها سوامق العلا، وارتقوا بها شواهق المجد، هي علم القول والبيان؛ إذ ملكوا زمام الفصاحة، وأحكموا ناصية البلاغة، واقتحموا ساحة البيان، فلم يجارهم في ملكتهم تلك أحد من السابقين أو اللاحقين؛ ولهذا نزل القرآن يتحداهم في الفصاحة والبلاغة التي بلغوا فيها الغاية وسموا إلى قمتها؛ ولهذا يروى عن عمر رضي الله عنه أنه قال: (كان الشعر علم قوم لم يكن لهم علم أصح منه) .
4- الدين:
شاع الشرك في أكثر العرب قبل الإسلام، فكان أكثرهم وثنيين يعبدون الأصنام، ويقدسون الكواكب ومظاهر الطبيعة، ويعتقدون وجود قوى خفية في النباتات والجمادات والطير والحيوان، كما كانوا يعبدون الأصنام في الأرض رمزا لآلهتهم؛ فكان ثالوثهم المشهور "اللات والعزى ومناة"، كما ذكرهم سبحانه: أفرأيتم اللات والعزى * ومناة الثالثة الأخرى [النجم: 19، 20]، زعموا أنها بنات الرب، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.
كما عرفوا عبادة النجوم والكواكب من الصابئة وبقايا الكلدانيين، كما كان بعض العرب يرمز بآلهته إلى تلك النجوم؛ فيرون أن ودا رمز للقمر، وأن اللات هي الشمس، وأن العزى هي الزهرة.
كما انتشرت المجوسية في بعض قبائل العرب، خاصة في تميم وعمان والبحرين، ويظهر ذلك في إيقادهم النار عند عقد أي حلف بينهم وبين القبائل الأخرى، كما كانوا يقدمون القرابين إليها.
وكانت اللات صخرة مربعة بيضاء، بنت عليها ثقيف بيتا في الطائف، وكانت قريش وجميع العرب يعظمونها، ويسمون أبناءهم وهب اللات وعبد شمس.
وأما العزى فقد بناها الغطفانيون، واشتد تعظيم قريش وسائر العرب لها؛ حتى إنهم كانوا لا يهدون الهدايا إلا لها، وكانت أكثر أيمانهم تنعقد بها.
وكانت مناة صخرة منصوبة على ساحل البحر بين مكة والمدينة، وترمز إلى أنها إله الموت، وكانت العرب جميعا -خاصة الأوس والخزرج- تعظمها؛ حتى إنهم كانوا يحجون في مكة، ولا يحلقون رؤوسهم حتى يأتوا مناة فيحلقوا عندها.
وفي الجزيرة أصنام كثيرة أخرى، منها ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر وإساف ونائلة وغير ذلك، ولما دخل النبي صلى الله عليه وسلم الكعبة عام الفتح وجد فيها ثلاثمئة صنم وستين صنما، كلها معبودات للعرب قبل الإسلام، وكان سيدها جميعا هبل، الذي كان له من القدسية والعظمة ما ليس لغيره، وقد اتخذته قريش من العقيق الأحمر، وهو على صورة إنسان مكسور اليد اليسرى، قد جعلتها قريش من ذهب.
وقد كان للعرب من الشعائر والذبح والطواف بتلك الأصنام، والاستقسام عندها، والحلف بها، والإهداء إليها، وتعظيم أمرها وأمر سدنتها- ما اشتهر أمره وظهر، حتى إن أحدهم كان يذبح ولده بين يدي الأصنام إرضاء لها! وقد أبطل الإسلام ذلك كله.
وقد كان من نتاج جاهليتهم وشركهم بالله اعتقادهم في الكهان، فكانوا يعتقدون أن الكاهن يعلم الغيب، وأن الجن مسخرة لأمره، فكانوا يستشيرونهم في كل صغيرة وكبيرة، ويقدمون لهم القرابين والهدايا، وقد اشتهر من هؤلاء الكهنة في الجاهلية سطيح الذئبي، وشق بن مصعب الأنماري، وعوف بن ربيعة الأسدي، وسلمة الخزاعي، وسواد بن قارب الدوسي، وعزى سلمة، كما اشتهر من الكاهنات: الشعثاء، والزرقاء بنت زهير، وكاهنة ذي الخلصة، والكاهنة السعدية .
ولهذا كله قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((وإن الله نظر إلى أهل الأرض، فمقتهم؛ عربهم وعجمهم، إلا بقايا من أهل الكتاب )) .
يمكنك ترك رسالة هنا إذا أردت الاستفسار عن شئ