مفهوم الأدب في العصر الحديث





 مفهوم الأدب في العصر الحديث


للأدب في الاصطلاح الحديث معنيان بارزان؛ معنى عام، وآخر خاص.

فيطلق الأدب في المعنى العام على كل ما أنتجه العقل الإنساني في أي ميدان من ميادين العلوم والفنون؛ كالفلسفة والمنطق وعلم الاجتماع والرياضيات وعلوم الطبيعة، وكذا فنون الشعر والكتابة ونحوها، وهو بهذا المعنى مرادف لمصطلح الثقافة.

ومن هذا المنحى نجد كارل بروكلمان يقول: (يمكن إطلاق لفظ الأدب بأوسع معانيه على كل ما صاغه الإنسان في قالب لغوي؛ ليوصله إلى الذاكرة)  .

وقد سبق إلى ذلك الشمول بعض علماء الدولة العباسية قديما، كما يظهر من تأليف كشاجم؛ شاعر الدولة الحمدانية وطباخ سيف الدولة كتابه: "أدب النديم"؛ إذ أودعه ما لا يستغني عنه شريف، ولا يجوز أن يخل به ظريف.

وظهر ذلك أيضا في قول أبي القاسم الشجري، أحد شعراء القرن الرابع الهجري:
إن شئت تعلم في الآداب منزلتي
وأنني قد عداني العز والنعم
فالطرف والسيف والأوهاق  تشهد لي
والعود والنرد والشطرنج والقلم
فأدخل في الآداب فنونا وألعابا وغير ذلك  .

وأما المعنى الخاص للأدب فيراد به: (النتاج العاطفي الذي يعبر فيه صاحبه بالألفاظ عن شعور عاطفي، وفيه إثارة للقارئ والسامع، أي ذلك التعبير العاطفي المثير، وهذا يكون عادة في الشعر الرائع والنثر البليغ)  .

وعلى المعنى الخاص وجدنا العديد من تعريفات الأدب تختلف في مبناها، إلا أنها في الغالب تتفق في المعنى، ومن ذلك:
قيل: (أدب لغة كل أمة: هو ما أودع نثرها وشعرها من نتائج عقول أبنائها، وأمثلة طباعهم، وصور أخيلتهم، ومبلغ بيانهم، مما شأنه أن يهذب النفس، ويثقف العقل، ويقوم اللسان)  .

ويعرفه د. شوقي ضيف بأنه: (الكلام الإنشائي البليغ، الذي يقصد به التأثير في عواطف القراء والسامعين، سواء أكان شعرا أم نثرا)  .

ويرى د. محمد غنيمي أن الأدب حتى يصح أن يقال عنه أدب لا بد أن يتوفر على عنصرين؛ الفكرة، والقالب الفني الذي تصاغ فيه؛ قال: (أما الأدب فكثيرا ما اختلف الباحثون في تعريفه، وطال جدالهم فيه... ولكن مهما يكن بينهم من اختلاف فهم لا يمارون في توافر عنصرين في كل ما يصح أن نطلق عليه أدبا؛ هما: الفكرة وقالبها الفني، أو المادة والصيغة التي تصاغ فيها. وهذان العنصران يتمثلان في جميع صور الإنتاج الأدبي؛ سواء أكان تصويرا لإحساسات الشاعر وخلجات نفسه تجاه عظمة الكون وما فيه من جمال وأسرار، أم كان تعبيرا عن أفكار الكاتب في الإنسان والمجتمع، وسواء كان ذلك الإنتاج الأدبي رسالة أو مقالة، أم مسرحية أو قصة...)  .

ويعرفه د. عمر فروخ بقوله: (الأدب هو المعنى المبتكر في اللفظ الفصيح، والتعبير المتين، والأسلوب البارع، والخيال الواسع)  .

والملحوظ في جميع تلك التعريفات أنها تحصر الأدب في الفكرة وطريقة التعبير؛ فلا بد في الفكرة من أن تكون معبرة عن أمر نفسي يجده الأديب في نفسه، ويعبر من خلاله عن عاطفته تجاه الحياة أو الإنسان أو المجتمع وقضاياه، وفي الطريقة والأسلوب أن يكون بليغا يؤدي الغرض، ويطابق مقتضى الحال، دون الإغراب والإخلال، والإطناب الممل.
وهذا التعريف الخاص للأدب هو الذي عليه اللغويون وأهل البلاغة والأدب.


فائدة دراسة الأدب

دراسة الأدب العربي ليست من قبيل الترف العلمي فحسب، بل لها فوائد غزيرة تعود على الفرد والمجتمع على حد سواء؛ إذ الأدب ما هو إلا تعبير عن النفس وآمالها وآلامها، وعن الواقع بمكوناته ومشكلاته، وعن القيم بأصولها وفروعها وتشابكها مع الحياة... وهذا كله بأسلوب منمق يجذب القارئ والمستمع ويؤثر فيه، فنحن إذ ندرس أدب الأمة العربية إنما ندرس خلاصة عقولها ونفسياتها وواقعها وتجربتها الطويلة في الحياة (فأدب أي أمة هو نتاج عواطفها ومشاعرها وعقولها، وهو عصارة مزاجها النفسي، وطابع روحها... فهو خلاصة وجهة نظرها في الحياة مستمدة من داخلها)  .

وانطلاقا من هذه المعاني يمكننا إجمال فوائد دراسة الأدب فيما يأتي:
1- دراسة الأدب تعين على فهم اللغة العربية، وتذوقها، والوقوف على تاريخها، وتاريخ الفصحاء والبلغاء من أهلها، على اختلاف عصورهم وأحوالهم وأساليبهم.
2- تكسب دراسة الأدب صاحبها الملكة اللغوية السليمة، وترتقي بجودة خطابه، ورصانة تعبيره.

3- تنمي دراسة الأدب في نفس صاحبها المعاني الإنسانية الراقية، وتكسبه الحس الجمالي، فترتقي به في جوانب الحياة المعنوية والروحية، كما ارتقت بالجوانب اللغوية التعبيرية عنده.

4- تعين على معرفة أسباب ارتقاء اللغة وانحطاطها، على اختلاف وتنوع هذه الأسباب؛ لتصبح هذه المعرفة وسيلة لسلوك سبل الارتقاء، واجتناب أسباب الانحطاط.

5- تتبع تاريخ الأدب والأدباء مصدر غني من مصادر دراسة التاريخ بوجه عام، والوقوف على كثير من أحداثه على لسان من عاصر وعايش هذه الأحداث  .

6- تجسيد الأدب للقيم الإنسانية والتجارب الحياتية المختلفة في كل عصر من العصور يكسب الدارس الفهم العميق للقيم وللإنسان بصورة عملية ملموسة؛ إذ يمكن القول بأن أدب أي أمة إنما يشكل ضمير الأمة، إضافة إلى القيم الفكرية والروحية التي تعتنقها، إضافة لجوهر اللغة.

7- الأدب أحد أعظم أسباب حفظ اللغة، واللغة بمنزلة العمود الفقري الذي يشد جسد أبناء الأمة، ويحفظ عليه تماسكه وثباته؛ ومن هذا المنحى فإن دراسة الأدب سبيل لحفظ وحدة الأمة واستمرارها  .


تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -